الجمل الطيب...
في غابة بعيدة ...كان أسد قوى الجسم , طيب القلب , يعيش وسط مملكته سعيدا هانئا.. ويحبه جميع الحيوانات.. ويحترمونه..ومن بين هذه الرعية, ذئب وثعلب وغراب.. كانوا مقربين لملكهم الأسد, بفضل دهائهم وتملقهم له. فكلما غنم الأسد بصيد وفير , انتظروا حتى ينتهي من طعامه ويشبع, ثم يأكلوا ما تبقى منه..وإذا جلس في عرينه, التفوا حوله يقصون عليه حكايات مسلية وفكاهات وطرائف, فيدخلون السرور إلى نفسه ويضحك من كل قلبه...
وأصبح الأسد لا يقدر على فراق أصحابه الثلاثة ..فهم مصدر تسليته الوحيدة ومتعته الفريدة..
وفى يوم من الأيام ..مرت قافلة تجار بالقرب من الغابة .. وتخلف جمل من جمال القافلة عن اللحاق بها.. وظل الطريق, وأخذ يسير دون هدف إلى أن وصل إلى حيث يجلس الأسد في عرينه ..
أحس الجمل رعب وفزع شديدين..
قال الأسد: لا تخف أيها الجمل.. كيف جئت إلى هنا؟ وماذا تريد؟
شعر الجمل بالاطمئنان قليلا.. وحكى قصته ..ثم قال:
إن كل ما أريده يامولاى هو حمايتك..
قال الأسد: أعدك بحمايتك ورعايتك.. فأنت اليوم من رعيتي ..بل من أصدقائي المقربين.
شكر الجمل لكرمه ونبله..
انضم الضيف إلى مجلس الأسد ..
مرت الأيام.. وازدادت صداقة الجمل والأسد وتوطدت . وفى يوم ذهب الأسد للصيد .. وكانت الفريسة هذه المرة فيلا فتقاتل معه.. وأصيب الأسد إصابة بالغة وجرح جرحا كبيرا.. وعاد ودماؤه تسيل .. رقد في فراشه, والتفت حوله أصدقاؤه, يداوون جراحه ويخففون آلامه ..
ظل الأسد مريضا, لا يغادر مكانه أياما بدون طعام .. فساءت حالته وأصبح ضعيفا هزيلا..أما الذئب والثعلب والغراب.. فكان كل اعتمادهم على طعام الأسد.. ولم يفكر هؤلاء الأشرار في البحث عن الطعام , والسعي في الغابة وراء صيد يشبعهم ويشبع الأسد معهم .. لقد اعتادوا الكسل ولا يريدوا أن يتعبوا...
كان قلب الجمل يتمزق لحال الأسد .. ولكنه لا يملك أن يفعل شيئا.فذهب إلى أصدقاء الأسد وقال:
إن حالة مليكنا تسوء يوما بعد يوم .. ولابد أن نجد حلا سريعا . والحل في أيديكم .فأنتم تملكون القدرة على الصيد والقنص..فلماذا لا تذهبون إلى الصيد, ويأتي كل منكم بفريسة ما تقدمونها للأسد, وتأكلوا منها, ويشبع الجميع, وتستردون قواكم وعافيتكم .. وتردون بذلك بعضا من جميل مليكنا عليكم ..
قال الثعلب: معك كل الحق أيها الجمل الطيب .. ولكننا كما ترى ضعفنا ولم نعد نقوى على السير لخطوة واحدة . ولكننا نعدك أن نتدبــر الأمر ونحل هذه المشكلة ..
اجتمع الذئب والثعلب والغراب واتفقوا سويا على أمر ..وذهبوا إلى الأسد في غياب الجمل..
قال الذئب: مولاي الملك .إن حالتك أصبحت سيئة , ولا نستطيع أن نراك هكذا تتعذب وتتألم..
قال الغراب: انى أرى يامولاى , إن أفضل حل هو إن تأكل الجمل, فهو صيد ثمين, وفير اللحم , يشبعك ويعافيك..
قال الأسد غاضبا:
كيف تجرأون على هذا القول ..آكل الجمل ؟! كيف؟ ليس هذا من صفاتي وطباعي , أخون من استأمنني ..لا..هذا محال..
قال الثعلب ولكن يامولاى إن الظروف هي التي اضطرتنا إلى ذلك..فلولا مرضك ما لجأنا لأكل صديقنا..
قال الأسد: مهما كانت الأسباب, لا انقض العهد .ولا أخون من استأمننى على حياته وروحه..إنى أفضل الموت جوعا .ولا أخون صديقي ..
انصرف الثلاثة . وأخذوا يتشاورون ويتناقشون . ووصلوا إلى فكرة شريرة خبيثة.. استدعوا الجمل..
وقال له الثعلب: إن كلامك اثر فينا تأثيرا كبيرا.. فنحن جميعا فداء لمولانا الملك فهيا يعرض كل منا عليه ليأكله .. وله أن يختار من يأكله. وبذلك نكون قد وفينا بديننا , وقدمنا من جميله علينا..
وافقهم الجمل على هذا الرأى ورحب به . وذهبوا جميعا إلى حيث يرقد الأسد..
قال الغراب: إنى فداك يامولاى .. وأكون سعيدا مسرورا إذا وافقت أن تأكلني ..
قال الذئب: إن لحمك سيء وجسمك نحيل , لا يشبع ولا يفيد .. أما أنا يامولاى حجمي كبير وأصلح طعاما شهيا لك..
قال الثعلب: إن من أراد قتل نفسه فليأكل لحم الذئب..أما أنا يامولاى أصلح لان أكون طعاما جيدا لك..
قال الذئب والغراب والجمل : إن لحمك خبيث مثلك..لا يصلح لطعام مولا لنا الملك.
قال الجمل : أما أنا يامولاى فلحمى شهى وفير.إذا اكلتنى تشبع وتشفى..
انقض عليه الجميع واكلوه..
وبذلك وقع الجمل الطيب الساذج , فريسة للخطة الشريرة التي رسمها الأشرار الثلاثة الذئب والثعلب والغراب.